...
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} .
الحمد لله الذي علم بالقلم، وهدى العمم، ورفع أمة الإسلام فوق باقي الأمم، نحمدك الله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ونصلي ونسلم ونبارك على من اخترته واصطفيته بعظيم محبتك وحنانك محمداً -صلى الله عليه وسلم-.
أيها القارئ العزيز الكريم:
تحية طيبة من الله مباركة وبعد:
فبين يديك الكريمة كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح عثمان بن جني النحوي، والذي اشتهر بين العلماء باسم "سر الصناعة" ذلك أن الكتاب يميل إلى اللغة وعلومها أكثر من النحو، وعندما نتحدث عن اللغة والنحو فإن الحديث يطول ولذا فإننا لا ننكر فضل النحو على اللغة، ولا اللغة على النحو فكلاهما علم متمم للآخر، وهذا ما أراد ابن جني التركيز عليه في كتابه هذا.
وهذا على قدر فهمنا وتحليلنا لكتابه القيم، ونرجو ان نكون قد وفقنا في حكمنا هذا من خلال تحقيقنا لكتاب ابن جني.
أما منهج ابن جني في كتابه فنرى أنه قد اعتمد على حروف المعجم التي تتكون منها بنية الكلمة، فقام بتحليلها من عدة جوانب.
1- ترتيبها: فقد رتبها ترتيبًا هجائيًّا "الهمزة، الباء، التاء، الثاء. إلخ".
2- من حيث جهرها وهمسها: وذلك عند تناوله لكل حرف فقد حدد نوعه من حيث كونه مجهورًا أو مهموسًا.
3- الإطباق والانفتاح: فقام بتحديد حروف الإطباق وأهميتها والغرض من كونها مطبقة أو منفتحة.
4- الإشمام: فحد حروف الإشمام وكيفيته وأهيمته.
5- الاستعلاء والاستيفال: فنراه أيضا قد قسم الحروف بحسب نوعها من جهة الاستعلاء والاستيفال والمقصود منه.
6- الشدة والرخاوة: فقام بتحديد الحروف الرخوة معللاً لرخاوتها، وحروف الشدة والسر في شدتها.
7- قام بتحديد حروف العلة، وكذا الحروف الصحيحة.
فنراه عند ذكر كل حرف يحدد نوعه من جهة الصحة والاعتلال، وأهمية ذلك وتأثيره في بنية الكلمة، وهو جزء خاص بالنحو لا باللغة.
8- قام بدراسة صوتية للحروف وما يعتريها من حذف أو إبدال أو زيادة، فشرح الأمثلة ووضح متى يأتي كل حرف أصليًا أو زائداً أو مبدلاً، وأهمية ذلك عند دراستنا للهجات القبائل المختلفة مثل البأبأة، والكشكشة، والعنعنة، وغيرها.
9- الإدغام: فقام بشرح أهميته، وما يحدث لكل حرف إذا تم إدغامه أو تسهيله.
10- الإمالة: حيث حدد مفهومها وحروفها وأهميتها لغة ونحواً.
11- النقل والحذف: وأهميتها بالنسبة لكل حرف موضحًا متى يجوز النقل أو الحذف.
12- حدد بعض الحروف وتأثيرها في إعراب الكلمة:
فمثلا حرف الكاف بعد أن يحدد وصفة يحدد أهميته الإعرابية من حيث كونه حرف جر يؤثر في الاسم ويعمل فيه الجر.
وحرفًا مثل حرف الواو فهو يأتي عاطفًا ما بعده على ما قبله، ويأتي جارًّا لما بعده مثل واو رب، ويأتي واو القسم في أسلوب القسم وهكذا حيث كان يحدد كنه كل حرف ووظيفته اللغوية والإعرابية مما يضفي على دراسته وتناوله للحروف الهجائية شيئًا من التكامل بين اللغة والنحو.
وهو في كل ما سبق يضرب الأمثلة ويشرح الأمثلة ويشرح السبب ويقنع بالحجة على وجاهة منطقة وحسن تعليله لما توصل إليه من أحكام لا تحتمل اللبس أو التأويل متخذًا من كتاب الله، وسنة رسوله، وشعر العرب الذي ساقوه في دواوينهم الدليل على ما يسوقه ويقدمه، وهذا ما جعل الكتاب يزخر بالأمثلة المتنوعة.
بل وأحيانًا يفند آراء غيره ويرد عليهم من كلامهم الذي يقدمونه دليلاً عليهم لا لهم، وهو في ذلك كله يعتمد على رجاحة عقله وسديد رأيه.
ونجده أحيانًا يسوق آراء اللغويين والنحويين ثم يجتهد فيفندها ويسوق رأيه الخاص المستقل غير مكتف بالرد عليهم أو تفنيد آرائهم فقط.
وبعد،
عزيزي القارئ فهذا ما عنَّ لنا من خلال دراستنا وتحقيقنا لكتاب ابن جني.
أما منهجنا الذي اتبعناه في التحقيق فقد قمنا بشرح الغريب والشاذ مع تفسير وشرح بسيط للشاهد الذي ساقه ابن جني أو غيره ممن يرد عليهم مع إعراب هذا الشاهد لنترك للقارئ العزيز في النهاية الحكم له أو عليه، أي أننا سرنا في محاور عدة أهمها:
1- تحقيق الكتاب من خلال المخطوط.
2- شرح الغريب في الشاهد.
3- شرح الشاهد ككل إن كان آية قرآنية أو حديث شريف أو بيت من الشعر.
4- إعراب ذلك الشاهد على وجوهه المختلفة إن كان له أكثر من وجهة إعرابية، وذلك حتى يتسنى للقارئ أن يقدم على قراءة الكتاب بشيء من السهولة واليسر.
ولم نتعمد أن نثقل عليك أيه القارئ العزيز بمقدمة طويلة نضرب فيها الأمثلة على ما سقناه من تحليلنا لكتاب ابن جني، ذلك أن ما قدمناه سنتناوله بالشرح والتعليق
كل رأي وكل حكم في موقعه، وذلك حتى لا تفقد المقدمة بطولها حلاوة الكتاب وطلاوته.
فإذا أصبنا فهو ما نصبو إليه ونتمناه، وإن لم نحقق الهدف المرجو فالعزاء الوحيد أن الكمال لله وحده رب العالمين.
وأخيراً آملين داعين الله عز وجل أن يكون قد جنبنا مواطن الزلل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحققان
أحمد رشدي شحاته عامر
محمد فارس